72 ساعة في

زنجبار…تمازج ثقافي بين أحضان الطبيعة

مياهُ فيروزية صافية… طبيعة استوائية خضراء… حضارة كونتها تمازج الثقافات المتنوعة فصبغتها بصبغة خاصة ونكّهتها روائح التوابل الطازجة لتجعل للتجول فيها واستكشافها طعمٌ خاص. باختصار… إنها زنجبار.

يقع أرخبيل زنجبار في المحيط الهندي ويتبع سياسياً لتانزانيا، وقد أصبحت في الفترة الأخيرة وجهة سياحية جذابة جداً لمواطني ومقيمي المنطقة والعالم، منذها والحديث يكثر عن جمال هذه الجزيرة وشواطئها البديعة، لذا قررت أوقات دبي زيارة زنجبارالرائعة لتدعوكم معها إلى رحلة لاستكشاف “المالديف الإفريقية”.

حطّت بنا الطائرة في مطار زنجبار البسيط، واستقبلنا سائق الفندق مرحباً تماماً كبقية أهل البلاد الذين صادفناهم، كان السائق مبتسماً وفخوراً بزيارتنا إلى بلده البسيط، وراح يحدثنا عن عادات وتقاليد زنجبار، وتاريخ هذا البلد الغنيّ.

اليوم الأول في نزجبار
زنجبار...تمازج ثقافي بين أحضان الطبيعة

بعد ليلة هانئة أمضيتها في غرفة فندقنا الواقع في ستون تاون Stone Town بدأنا يومنا بجولة في الشوارع المجاورة للفندق.

تُعد مدينة ستون تاون الجزء الأقدم من زنجبار، وتتمتع بأهمية تاريخية وفنية بارزة، لذا كان لا بد لنا من القيام بجولة استكشافية فيها.

انطلقنا برحلتنا بكل حماس لنتعرَف أكثر على تاريخ هذا البلد الذي كان يوم تحت حكم سلطنة عُمان. سرنا على الأقدام في شوارع ستون تاون الضيقة والتاريخية، وفيما نحن نتجه إلى قلب ستون تاون – ومعناها بالعربية مدينة الحجر – لفتتنا بيوتها الحجرية القديمة، وأزقتها الضيقة والتي تعطي هذه المدينة هوية مميزة.

بدأت جولتنا في الأسواق الشعبية، فمن سوق السمك، إلى سوق الخضار والفواكه ومن ثم سوق التوابل حيث توقفنا قليلاً لشراء بعض التوابل التي تشتهر بها زنجبار، فهي تُعرف باسم “جزيرة التوابل” لارتباطها الوثيق بتجارة التوابل على مدى سنين طويلة!

ولعل أول ما شدّ انتباهنا هو تشابه عمامة الرأس المتبعة هناك مع عمامة الرأس التي يعتمرها العمانيون. فبالرغم من أن زنجبار اليوم تعد مستقلة ذاتي تحت حكم تانزانيا، إلا أن آثار العرب فيها لا تزال واضحة وضوح الشمس. كلما تجولنا في شوارع وأسواق المدينة كلما توضح لنا الأثر الكبير الذي تركه التراث العماني والخليجي في شوارع المدينة القديمة بزنجبار. فشوارعها، وأسواقها، وحتى أبواب منازلها ذكرتنا بالبلد القديمة في مسقط، وكذلك بسوق مطرح.

زنجبار…تمازج ثقافي بين أحضان الطبيعة

عند الثانية من بعد الظهر كان لا بد من استراحة قصيرة لتناول وجبة الغداء. اخترنا مطعم يتميز بشرفة جميلة ذات إطلالة رائعة على المدينة من كلّ الجهات. بعدها أكملنا جولتنا في السوق، فسرنا بين متاجر التذكارات والأقمشة والهدايا المتنوعة، وتأملنا الأبواب الخشبية المنحوتة والتي استوحت تصاميمها من ثقافات المسافرين والمستوطنين الذين كانوا يتاجرون مع سكان الجزيرة من هنود، وعرب وأفارقة.

استمرينا بعدها في جولتنا إلى الكاتدرائية الانجليكانية في المدينة والتي بُنيت في أواخر القرن التاسع عشر في موقع سوق العبيد القديم. وعلى مقربة من الكنيسة وُضعت مجسمات تمثل الطريقة التي كان العبيد يحتجزون فيها ويُقيدون بسلاسل في وقت غابت فيه الإنسانية والضمائر.

زنجبار…تمازج ثقافي بين أحضان الطبيعة

لم يتبقَّ من آثار هذا السوق إلا غرفتين كان يُحتجز فيهما العبيد تحت الأرض، تمكنّا من معاينتهما وقد كان المشهد قاسياً جداً! فالغرف ضيقة ومعتمة وكان العبيد يُحشرون فيها بأساليب غير آدمية.

أما ما زادني ألم فهي الصور والمعلومات التي عرضتها صالة مجاورة لتأريخ زمن العبودية، والذي كانت فيه زنجبار بوابة لتجارة هؤلاء حيث كان يتم نقلهم منها إلى بقاع الأرض المختلفة.

لحسن الحظ، كانت ابتسامة أهل البلد والتي لا تفارق وجوههم عاكسة روحهم الطيبة، كفيلة بأن تزيل عن قلبنا الحزن الذي خلفته هذه الصور والقصص المؤلمة. وفي نهاية هذه الجولة، جلسنا في مطعم مطل على البحر وواقع على مقربة من الفندق لتناول الغداء في أجوائه المريحة، فكان لا بد من اختيار ثمار البحر والتي تشتهر بها هذه الجزيرة!

عدنا مساءً إلى الفندق لنختتم هذا اليوم الرائع بتناول وجبة عشاء لذيذة، أغنتها توابل زنجبار العطرة!

اليوم الثاني في زنجبار
زنجبار…تمازج ثقافي بين أحضان الطبيعة

تناولنا فطورنا ووضبنا حاجياتنا وتوجهنا شرقاً لنصل إلى فندقنا الجديد المطلّ على الشاطئ. خلال رحلتنا وسط الغابات الساشعة والمساحات الخضراء المنتشرة على جانبي الطريق، والتي تخللتها بعض القرى، بدأ المطر ينهمر بغزارة وكان المشهد رائع بكل ما للكلمة من معنى، شعرنا عندها أننا نعيش الأجواء الاستوائية بحق. رحنا نتأمل هذا المشهد الجميل، قبل أن يتوقف المطر ويظهر قوس القزح سوق العبيد في ستون تاون: كان سوق العبيد في ستون تاون مركزاً مخصص لتجارة الرقيق في شرق أفريقيا خال الحماية البريطانية. وكان السوق مكون من 15 غرفة تحت الأرض، كانت تستخدم جميعها لتخزين العبيد. وكان يتم شحن العبيد المقبوض عليهم فى البر الرئيسى إلى زنجبار ، ليتم حفظهم في الغرف الموجودة تحت الأرض حتى يتم بيعهم في مختلف المناطق.

في أواخر ال 1800 ، بدأت حركة تعمل على إلغاء سوق الرق والاتجار الغير إنساني في البشر . وتم أخيراً إغلاق السوق تمام يوم 6 يونيو 1873 . ثم تم بناء كنيسة على أنقاض السوق. بألوانه الزاهية. بعد حوالي النصف ساعة وصلنا إلى وجهتنا المنشودة، منتجع أزانزي الشاطئي، .Azanzi Beach Hotel كان المنتجع أشبه بقرية شاطئية صغيرة، فهو يضم 35 غرفة فقط. فشعرنا وكأننا من سكان هذه القرية، وبأننا نقيم في بيت شاطئي لطيف!

زنجبار…تمازج ثقافي بين أحضان الطبيعة

تركنا حاجياتنا وانطلقنا في جولة لاستكشاف مزارع التوابل. وصلنا إلى الغابة الصغيرة أو مزرعة التوابل، وبدأت الجولة في عالم النباتات. بين شجرة وأخرى، ونبتة وأخرى تعرَفنا على الكثير من روائع الطبيعة، ورأينا للمرة الأولى النباتات الأصلية للكثير من التوابل والتي لم نكن نتخيل شكلها.

ثمار متنوعة بدءاً من الأناناس، ووصولاً إلى المانجا والكاكاو، وتوابل غنية كالزنجبيل، والكركم، والقرنفل، والبهار، والفانيا فضلاً عن النباتات والأشجار الغريبة، كلها موجودة هنا. سرنا بينها ولمسناها وتذوقنا بعضها إلى أن عدنا إلى نقطة البداية، فوجدنا مفاجأة جميلة بانتظارنا حيث صنع لنا أحد العاملين سواراً وتاج من أوراق الشجر بحرفية ملفتة، أما الشباب فكان من نصيبهم قبعة وربطة عنق! استمرت الجولة مع عرض شجرة جوز الهند، حيث قام أحد الشبان بتسلق هذه الشجرة مستعرضاً مهاراته البدنية، ومؤدي بعض الأغاني.

زنجبار…تمازج ثقافي بين أحضان الطبيعة

كان الجزء الأخير من هذه التجربة، الأفضل بالنسبة لي حيث جلسنا على مقعد خشبي لتبدأ جلسة تذوق الفاكهة الاستوائية من أناناس، وجوز الهند، وموز، ومانجا، وغيرها، والتي كان لها مذاق رائع لن أنساه أبدأً.

أما وجهتنا التالية فكانت غابة جوزاني Jozani forest park ، وهي محمية طبيعية تتميز بمساحاتها الخضراء وبغناها بالأشجار والنباتات المختلفة. أما أبرز ما لفتنا في جولتنا هذه فهو قردة كولوبوس الحمراء، ذات الذيل الطويل والتي لا تتواجد إلا في زنجبار. راحت هذه الحيوانات الطريفة تلعب حولنا وتقفز بين الأشجار بكل خفة.

انتهت جولتنا قبل حلول المساء، لذا عدنا أدراجنا إلى الفندق لنستريح بعد يوم في أحضان الطبيعة الاستوائية، ولنستعد لمغامرة جديدة في اليوم التالي.

اليوم الثالث في زنجبار
زنجبار…تمازج ثقافي بين أحضان الطبيعة

بعد أن استمتعنا بتاريخها وثقافتها، وطبيعتها الخلابة، كان لا بد من الارتماء بين أحضان شواطئها الرائعة وهي أكثر ما تشتهر به هذه الوجهة. ولكن قبل ذلك، كان علينا تجربة الغوص على شواطئ هذه الجزيرة، حيث أن شواطئ زنجبار تشتهر بكونها وجهة ممتازة للغوص الترفيهي، فهي غنية بالشعاب المرجانية والأسماك.

سار بنا القارب إلى جزيرة ميمبا الشمالية، والتي تبعد حوالي 45 دقيقة عن الفندق. كانت المناظر التي شاهدناها تحت الماء أكثر من رائعة، فبين متاهات الشعاب المرجانية والصخور والأسماك تعرفنا إلى حياة جديدة، فالحياة تحت البحر عالمٌ آخرٌ تماماً ، ولا يمكن وصف الشعور الذي ينتاب الشخص وهو تحت الماء.

أمضينا كل الفترة الصباحية في مياه المحيط نتعرف إلى مخلوقاتها ونتعايش معها. وفي طريق العودة سلك القارب طريق آخر لنتمكن من رؤية الدلافين وهي تسبح.

كان التعب قد أضنانا بعد الغوص، لذا تناولنا وجبة غداءٍ خفيفة، وأمضينا بقية يومنا مستلقين على شاطئ الفندق برماله ناصعة البياض، هنا استرخينا وتأملنا واستمتعنا بشمس زنجبار الدافئة… لست أدري كيف مضى الوقت لكنني أعرف أننا لم نشبع من هذا المشهد البديع، ومن التفكير بعظمة الله في خلقه وكيف يمكن لهذه الجزيرة أن تجمع كل هذا الغنى والتنوع في مكان واحد!

كان ختام هذه الرحلة مسكاً مع العشاء في الفندق، حيث صادف أن مطعمه يقدم بوفيه سواحيلي أصيل في هذا اليوم، والذي تتنوع أطباقه الشهية بين ثمار البحر، والكاري، والأرز بالتوابل المحلية، والحلويات، والفاكهة. انتهت هذه الرحلة في الواقع من دون أن تنتهي في خاطرنا، فلايزال هناك المزيد لاستكشافه واختباره، كما أن المرء لا يشبع من روح هذا الشعب المرحة، والذي يردد على الدوام عبارة “هاكونا ماتاتا” ومعناها “لا داعي للقلق”، وما أكثر حاجتنا لها ولهذه الإيجابية في هذه الأيام.

ميزانية رحلة السياحة إلى زنجبار:

تذكرة سفر من وإلى دبي 1300 درهم

الإقامة ليلة في ستون تاون 360 درهم

الإقامة في منتجع أزانزي الشاطئي متضمنة العشاء 550 درهم

الجولة في ستون تاون 75 درهم

جولة التوابل وغابة جوزاني 200 درهم

التنقل من وإلى المطار 230 درهم

مجموع متوسط أسعار الوجبات 270 درهم

إجمالي سعر الرحلة التقريبي 2985 درهم

نصائح لزوار زنجبار

قد تشعرون ببعض لدغات البعوض عند المساء، لذا يفُضل استخدام الكريمات أو الأدوية التي تحمي منها.

يُستحسن القيام بجولة ستون تاون مع مرشد سياحي، فشوارعها أشبه بالمتاهات وقد يضيع المرء فيها.

إذا كنتم من محبي الطبخ فلا بد من شراء بعض التوابل من زنجبار فهي فعلاً مميزة لناحية النكهات والروائح.

يفضل ارتداء الملابس المحتشمة نوع ما أثناء القيام بالجولة في ستون تاون تجنب للإزعاج، علم أن لباس البحر داخل الفنادق والمنتجعات أمرُ عادي.

لا تتركوا أبواب الغرفة مفتوحة في منتجع أزانزي، فقد يتسلل حيوان فتى الأدغال Bush Baby غرفتكم ليلًا لسرقة السكر، لكنه ظريف وغير مؤذي. يعُد هذا الحيوان من أسلاف القردة الإفريقية صغيرة الحجم، ويتميز بذيله الطويل وعيونه الكبرة.

 

قد يعجبك:

السياحة في جورجيا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights